و الصلاة صورة من الصور التي يقوم بها الإنسان لعبادة خالقه ، وهي صلة بين العبد وربه ، ومنزلتها من الإسلام بمنزلة الرأس من الجسد ، عن أبي عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
(لا إيمان لمن لا أمانة له ، ولا صلاة لمن لا طهور له ، ولا دين لمن لا صلاة له ، إنما موضع الصلاة من الدين كموضع الرأس من الجسد ))
وتأتي منزلتها بعد الشهادتين لتكون دليلاً على صحة الاعتقاد وسلامته ، وبرهانًا على صدق ما وقر في القلب ، وتصديقاً له . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله ، و إقام الصلاة وإيتاء الزكاة ، وحج البيت ، وصوم رمضان ))
و إقام الصلاة : أداؤها كاملة بأقوالها و أفعالها ، في أوقاتها المعينة ، كما جاء في القرآن الكريم ، قال تعالى(( إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً (103) ))
ويقف المصلي في رحاب الله ، ليس بينه وبين الله واسطة ، فيشعر بالقرب من الله ، ويشعر بمعية الله له ، فتمتلئ جوارحه بالأمن والطمأنينة والثقة واليقين ، فيخشع راكعاً ، ويخشع ساجداً ، يستمد العون والتأييد ، قال الله تعالى
( قد افلح المؤمنون (1) الذين هم في صلاتهم خاشعون (2) ))
ويتوالى فرض الصلاة ونفلها على المسلم ، لا يمنعه عنها عذر من مرض أو سفر ، وحيثما انتقل لازمته فريضة الصلاة ، يؤديها أينما تيسر له ، قال صلى الله عليه وسلم : ((….وجعلت لي الأرض مسجداً و طهوراً ، وأيما رجلٍ من أمتي أدركته الصلاة فليصل.....)) فالأرض كلها مكان عبادة إذ لا تختص العبادة بين جدران بيت الله ، فكل الأرض واقعة في سلطان الله ، وعلى المرء أن يتقي الله حيثما تقلب به المكان.
وتكاد تكون الصلاة جامعة لأركان الإسلام:
فكما نعلم أن الزكاة طهرة المال ، والصلاة طهرة للأوقات ، وطهرة للإنسان مما يرتكبه من معاصٍ في أوقاته ، وفجوات الأزمان التي بين صلواته ، وكفى على ذلك شهيداً قوله صلى الله عليه وسلم(أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمساً ، ما تقول ذلك يبقى من درنه ؟ قالو : لا يبقى من درنه شيئاً ،قال : فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله به الخطايا ))
ويأتي الأمر بالزكاة بعد الأمر بالصلاة
قال تعالى ( وأقيموا الصلاة وآتو الزكاة )) ، (( أقاموا الصلاة وآتو الزكاة ))
(( وأقام الصلاة وآتى الزكاة )) ، (( وأقمن الصلاة وآتين الزكاة ))
((وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حياً ))
كما أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر :
وتأتي الصلاة لتعالج النفس البشرية من نوازع الشر حتى تصفو من الرذائل ، ويبتعد صاحبها عن كل منكر فعندما يقف المسلم بين يدي ربه ويقرأ في الصلاة القرآن ، ويتأمل الآيات ، ويتدبر المعاني ، فترد آيات العذاب ، وأن الله شديد العقاب ، فترتعد نفسه ، وتلتفت عن غيها ، فإذا تمكن من نفسه الخوف من الله ، زجره ذلك عن كل فحشاء ومنكر.....وترد آيات الرحمة والنعيم والجنات ، فتهفو نفسة إلى نيل الدرجات ، والفوز بالجنات ، فتزداد خشيته لله ، فيتقي عذابه ، ويسعى لنيل رضاه والفوز بنعيمه ، بالتواضع لأوامره واجتناب نواهيه ، قال الله تعالى: (( وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله اكبر والله يعلم ما تصنعون (45) ))
ولعل السر في كثرة المصلين ، وضعف أثر الصلاة في سلوكهم ، هو أنهم لم يؤدوها إلا بهيئتها فقط ، من قيام وركوع و سجود ، ودعاء وتسبيح ، وتكبير وتحميد ، ولم يبلغوا درجة إقامتها تامة بحضور القلب فيها ، وهكذا يتفاوت المصلون في الأجر والثواب ومدى استقامتهم في تنفيذ منهج الله ، مع أن الأعمال التي يؤدونها في الصلاة واحدة .
يتبع